المغرب يتأثر بطفرة أسعار الذهب العالمية وسط تراجع الطلب المحلي - بلس 48

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

افتتح معدن الذهب شهر أكتوبر الجاري بزيادات جديدة في السعر، مواصلا‎ سلسلة ارتفاعات قوية بدأت تتجلى أكثر منذ منتصف شهر شتنبر المنقضي بتحطيمه قمما‎ قياسية “تاريخية”، فيما تُظهر عدد من المؤشرات أنه قد يبلغ 4 آلاف دولار للأونصة مع نهاية العام.

وعلى بعد ثلاثة أشهر من متم سنة الجارية، أشارت أحدث تقديرات ومحللي الأسواق المالية إلى أن لمعان الذهب في اتجاهه لتحقيق “أكبر ارتفاع سنوي منذ عقود”، معززا‎ بأجواء خفض الفائدة من طرف الفيدرالي الأمريكي وكذا تداعيات فترة “إغلاق حكومي” بدأت في الولايات المتحدة يترقب المستثمرون انعكاساتها، لا سيما مع تأخر إصدار بيانات اقتصادية مستجدة.

المعدن النفيس الأصفر واصل مكاسبه اللافتة لـ”تتجاوز 48 في المائة منذ بداية العام” وفي طريقه إلى أقوى أداء سنوي منذ 1979، حسب ما نقلته وكالة بلومبرغ المتخصصة في تحليلات الأعمال ومتابعة أسواق المال العالمية.

وتابعت هسبريس تقلبات رفعت السعر ليُلامس مستوى 3895 دولارا للأونصة (الأربعاء)، في موجة صعود ممتدة لليوم الخامس على التوالي، في وقت انعكس ذلك على أسعار معادن نفيسة أخرى، أبرزها الفضة التي سجلت “صعودا‎ بنحو 2 في المائة إلى 47.5598 دولارا للأونصة”، ولكنها مازالت أدنى من ذروتها التاريخية بأقل من 5 في المائة.

ذروة جديدة وتردد

إدريس الهزاز، رئيس الفيدرالية المغربية للصائغين فاعل في قطاع تسويق الحلي والمجوهرات، قال إنه “في ظل الظرفية الراهنة التي يعرفها قطاع الذهب، يعيش المهنيون حالة من التردد في اقتناء المادة الأولية، بانتظار ما ستسفر عنه حركة الأسعار خلال الأيام المقبلة لتحديد الاتجاه، خاصة في ظل النقاش الدائر حول ما إذا كانت الأسعار ستعرف استقرار‎ا أم ستواصل منحاها التصاعدي بعد ركودٍ شهدته فترة الصيف”.

الهزاز أضاف ضمن تصريح لهسبريس أن “التوقعات العالمية لأسعار الذهب عرفت انعطافات ملحوظة، بعدما كان متوقع‎ أن تبلغ 3700 دولار للأونصة في أفق نهاية 2025، بينما تشير التقديرات الجديدة إلى احتمال بلوغ 4000 دولار متم العام الحالي، في حين إن السعر الحالي بلغ 3800 دولار للأونصة”، موضحا أنه “على الصعيد الوطني، يتم احتساب السعر على أساس سعر البورصة مع إضافة هامش يقارب 10 في المائة يفرضه المزوّدون، وهو هامش يتأثر جزئيا بمسارات تزويد غير قانونية وبالتهريب المستمر للذهب”، حسب تقديره.

ونبّه رئيس فيدرالية مهنيي صياغة الحلي والمجوهرات بالمملكة إلى أن “هذه الظاهرة تزداد تفاقما في مناخ من اللامبالاة لدى بعض الجهات الرسمية، رغم خطورتها التي تشبه في آثارها تدفقات غير رسمية أخرى مثل تهريب الحشيش أو دخول الأموال بطرق غير مقنّنة”، واضعا‎ ذلك في سياق ظرفية “ارتفعت فيها واردات الذهب الصناعي، لكن الكميات المستوردة لا تلبي حاجيات السوق المحلية، حيث لا تتعدى الشركات المستوردة بشكل رسمي أربع أو خمس شركات، بينما يلجأ باقي التجار أو المهنيين إلى السوق السوداء”.

وأشار الهزاز إلى أن “انتشار عمليات بيع وتداول الذهب خارج الأطر القانونية، بما فيها عبر منصات التواصل الاجتماعي، معطى آخر “يزيد من تعميق تشوهات السوق وتقويض المنافسة الشريفة”، مستحضرا بأسف “ضعف قنوات التواصل مع وزارة المالية وإدارة الضرائب رغم المراسلات المتكررة التي وجهها المهنيون، في مقابل غياب تفاعل وزارة الصناعة بدورها، حيث بقيت الدراسة التي أنجزت سنة 2019 لمعالجة قضايا الضرائب والجمارك والتزويد حبيسة الرفوف لأزيد من خمس سنوات”.

كما أكد للجريدة أن معالجة القضايا الضريبية والجمركية مازالت في طليعة ما ينتظرُه المهنيون مع اقتراب مشروع قانون مالية 2026.

وختم المتحدث بأن “المهنيين يطالبون بتدخل مستعجل لإعادة هيكلة القطاع، وضمان شفافية مسالك التزويد، وحماية السوق الوطنية من الممارسات غير القانونية التي تهدد استقراره وتضر بسمعة المهنة”، مشددا على أن “إحداث منصة وطنية للذهب والفضة للتزود لفائدة المهنيين سيضمن ضبط المحاسبة المدققة واستقرار الأسواق مع رفع العتبة الضريبية للمحاسبة المبسَّطة إلى 7 ملايين درهم، وتوفير المادة الأولية في الأسواق لدعم الصناعة المحلية، خاصة مع نتائج مشجعة للتنقيبات الأخيرة”.

“تحول بنيوي للتوازنات النقدية”

في قراءة أكاديمية، يرى محمد عادل إيشو، محلل مالي أستاذ الاقتصاد وعلوم التدبير بجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال، أن “سوق الذهب العالمي عرف منذ مطلع 2025 تحولات استثنائية، تتجسّد في الارتفاعات المتسارعة في الأسعار؛ إذ تجاوز السعر الفوري حاجز 3888 دولار‎ا للأونصة، مسجّلا زيادة هي الأعلى منذ عام 1979”.

ويُعزى هذا “المسار الصاعد”، بحسب المصرح لهسبريس، إلى “تصاعد المخاوف بشأن استقرار النظام المالي الأمريكي، خصوصا بعد فشل المفاوضات السياسية في الكونغرس وما تبع ذلك من إغلاق حكومي جزئي. في هذا السياق، عاد الذهب ليؤدي دوره التقليدي كملاذ آمن، تعبيرا عن أحد المبادئ الأساسية في الفكر الاقتصادي: الطلب على السيولة يرتفع كلما تعاظمت المخاطر النظامية”.

وزاد شارحا: “تعكس التحركات الجارية إعادة هيكلة متسارعة للمحافظ الاستثمارية، حيث يُعاد توجيه رؤوس الأموال من الأصول ذات العوائد المتغيرة نحو الذهب، مدفوعة بضعف الدولار وتوقعات خفض أسعار الفائدة. ويُفهم هذا التوجه ضمن منطق ‘تكلفة الفرصة البديلة’؛ إذ إن تراجع العائدات على السندات والأصول المالية الأخرى يرفع من جاذبية الذهب، رغم كونه أصلا غير مُدرّ للعوائد”.

في المقابل، تعبّر هذه الظاهرة أيضا عن “ديناميكيات التحيّز للتشاؤم في الاقتصاد السلوكي”، يقول محمد عادل إيشو، مبرزا أن “الإشارات السلبية، حتى وإن كانت غير مؤكدة، تفضي إلى ردود فعل مبالغ فيها من الأسواق. كما أن غياب الشفافية وتكامل المعلومات يُسهم في تضخيم هذه الاستجابات السعرية إلى مستويات تتجاوز ما تبرّره الأسس الاقتصادية وحدها”.

سلوك المستهلكين يتأثر

المحلل المالي ذاته أقرّ بأن “السوق المغربية عاكسة لهذه التطورات الدولية بشكل مباشر، لا سيما في مدينة الدار البيضاء المركز الرئيسي لتوزيع وتجارة الذهب في المملكة”، معتبرا أن ذلك “عبء كبير على كل من المهنيين والمستهلكين. وفي ظل غياب آليات تحوّط مؤسساتية أو تنظيم رسمي لتوريد الذهب، تبقى الأسعار خاضعة لتقلبات السوق الدولية والمضاربات المحلية، مما يؤدي إلى تآكل هوامش أرباح الحرفيين وتراجع الطلب بشكل عام”.

كما يؤثر على “سلوك المستهلك، حيث باتت الأسر ذات الدخل المتوسط تُؤجّل اقتناء الذهب أو تبحث عن بدائل أقل كلفة، مثل السبائك الصغيرة أو المنتجات المطلية”. كما دفع ارتفاع الأسعار بعدد من المهنيين إلى تقليص الإنتاج أو التحول نحو تصاميم تتطلب كميات أقل من المعدن. وفي ظل غياب أدوات تأمين ضد تقلبات الأسعار أو سياسات دعم واضحة، يبدو القطاع معرضا لهشاشة متزايدة مع كل دورة جديدة من دورات تقلب السوق العالمية.

إجمالا، تظهر هذه المرحلة أن “الارتفاع الحالي في أسعار الذهب ليس معبّرا عن دورة تقليدية فقط في سوق السلع، بل هو تحول بنيوي في التوازنات النقدية العالمية، تحرّكه اعتبارات جيو-سياسية ونقدية أكثر مما يحرّكه عامل العرض والطلب الكلاسيكي”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق