"المعدات الدفاعية الفائضة" ترسخ الشراكة العسكرية بين واشنطن والرباط - بلس 48

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في سياق متواصل من تحديث العتاد العسكري وتطوير العقيدة الدفاعية، تسلم المغرب، أخيرا، ما يقرب من 600 مركبة مدرعة من طراز “M1117 Guardian” الأمريكية، في إطار برنامج “المعدات الدفاعية الفائضة” (Excess Defense Articles).

هذه الخطوة الاستراتيجية فتحت النقاش مجددا حول مكانة المغرب كشريك عسكري محوري للولايات المتحدة، وأكدت على دينامية التحديث العسكري التي تعرفها المملكة.

تحالف استثنائي

الشرقاوي الروداني، الخبير في الدراسات الجيو-إستراتيجية والأمنية، قال إن اقتناء المغرب للمدرعات الجديدة يأتي في إطار العلاقات المغربية ـ الأمريكية “التي تتخذ مسارا واضحا نحو شراكة لا تقتصر على الطابع الاستراتيجي فحسب، بل تكتسي طابعا استثنائيا؛ بالنظر إلى الترابط القائم بين الأمن القومي المغربي ونظيره الأمريكي، وهو ما أكده وزير الخارجية الأمريكي الأسبق مايك بومبيو خلال زيارته إلى المغرب، حين شدد على أن أمن المغرب جزء من أمن الولايات المتحدة”.

وأضاف الروداني، ضمن تصريح لهسبريس، أن هذا المسار قد تُوج بتوقيع “خارطة طريق دفاعية” بين الرباط وواشنطن للفترة الممتدة من 2020 إلى 2030، تضمنت بروتوكولات وتوجهات استراتيجية مشتركة مرتبطة بالمصالح الحيوية للطرفين.

وتعكس هذه الخارطة إيمانا أمريكيا قويا بأهمية المغرب كحليف استراتيجي رئيسي خارج إطار الناتو، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب والتصدي للتهديدات القادمة من منطقة الساحل الإفريقي والصحراء الكبرى” حسب تعبيره.

وأوضح الخبير في الدراسات الجيو-إستراتيجية والأمنية أن هذا التعاون تُرجم عمليا من خلال زيارات رسمية رفيعة المستوى؛ أبرزها زيارة قائد الجيوش الأمريكية الجنرال ميلر، فضلا عن المشاركة المكثفة للقوات المسلحة الملكية في أكثر من مائة مناورة عسكرية سنويا مع الجيش الأمريكي، من بينها مناورات “الأسد الإفريقي” و”أوبان غايم”، حيث شهدت مدينة طنجة قبل أيام اجتماعا تحضيريا لمناورات “أوبان غايم 2026”.

وتابع المصرح عينه: “تؤكد هذه المؤشرات أن العلاقات بين المغرب والولايات المتحدة ذات أبعاد استراتيجية متعددة، تهم تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي؛ وهو ما تجسد أيضا في الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء الذي أعلنه الرئيس السابق دونالد ترامب”.

عقيدة دفاعية متجددة

يرى الروداني أن “اقتناء المغرب للمدرعات الجديدة يندرج ضمن عملية متواصلة لتقوية القدرات الدفاعية والفنية للجيش المغربي، وتطوير عقيدته العسكرية بما يخدم الأمن والاستقرار في المنطقة. ويأتي ذلك امتدادا لصفقات نوعية شملت مروحيات “أباتشي 64 إي”، ودبابات “أبرامز”، ومنظومات “باتريوت”، إضافة إلى شراكات استراتيجية في إطار الاتفاق الثلاثي الذي يربط المغرب بالولايات المتحدة وإسرائيل”.

وشدد الخبير في الدراسات الجيو-إستراتيجية والأمنية على أن “هذا التوجه ينسجم مع رؤية جلالة الملك القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، الرامية إلى تحديث الجيش وتطوير أدواره، ليس فقط في الدفاع عن الوحدة الترابية والسيادة الوطنية، بل أيضا في المساهمة الإيجابية ضمن قوات حفظ السلام الأممية في مناطق مثل إفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية”.

وأكد الروداني أن “هذه الخطوات تعكس من جهة الثقة والمصداقية التي يحظى بها المغرب في المجالين الأمني والعسكري إقليميا ودوليا. ومن جهة ثانية، تؤكد الطابع العابر للحكومات في العلاقات بين الرباط وواشنطن، التي تعود جذورها إلى سنة 1777 حين اعترف المغرب باستقلال الولايات المتحدة، وتُوجت سنة 1784 بأول اتفاقية أمنية وتجارية بين البلدين. واليوم، يُمثل شراء المغرب لهذه المدرعات محطة جديدة في مسار تحديث القوات المسلحة الملكية، وتأكيدا على التوجه الاستراتيجي للمملكة في مواجهة التحديات التقليدية والجديدة، بما فيها الحروب السيبرانية والهجينة”.

كما أضاف: “في سياق دينامية التحولات الإستراتيجية، يرسخ المغرب شراكته الدفاعية مع الولايات المتحدة كخيار عقائدي يقوم على مبدأ التكامل العملياتي وتعزيز الردع الوقائي. فاقتناء مئات العربات المدرعة M1117 ليس مجرد صفقة تقنية؛ ولكن هو تجسيد لرؤية دفاعية تعتبر أن قوة الدولة لا تقاس فقط بامتلاك العتاد، بل بقدرتها على إدماجه ضمن منظومة متكاملة تجمع المراقبة، الانتشار السريع، وحماية العمق الترابي”.

من جهته، أكد البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتدبير الصراع وتحليل المخاطر، أن تسلم المغرب ما يقرب من 600 مركبة مدرعة من طراز M1117 Guardian أمريكية الصنع “لا تهدف فقط إلى تسريع برنامج تحديث الترسانة البرية للمملكة، بل إلى تعزيز قابلية التشغيل البيني بين القوات المسلحة الملكية والقوات الأمريكية/الناتو؛ مما يرفع من الجهوزية القتالية المشتركة في أي مسرح عمليات مستقبلي”.

وأضاف البراق، ضمن تصريح لهسبريس، أن “حجم هذه الدفعة النوعية يرسخ مكانة المغرب كـ”شريك استراتيجي رئيسي خارج الناتو”، ويُبرز دوره كركن استقرار إقليمي ونقطة ارتكاز لواشنطن في منطقة شمال إفريقيا والساحل، ويدعم استراتيجيته العامة في التحول نحو معدات عسكرية حديثة وقياسية أمريكية”.

تحول استراتيجي

أبرز الخبير الدولي في إدارة الأزمات وتدبير الصراع وتحليل المخاطر أن “إدماج مدرعات M1117 Guardian يشير إلى تحول استراتيجي في عقيدة الاشتباك للجيش المغربي، حيث أصبح له تركيز على التعامل الفعال مع التهديدات اللامتماثلة (غير التقليدية). ويتميز تصميم M1117 بهيكل أحادي يوفر حماية باليستية مُعززة ومقاومة عالية للانفجار، وهو أمر حاسم لمواجهة خطر الألغام الأرضية والعبوات الناسفة المُرتجلة المتزايد في مسارح العمليات الصحراوية ومناطق النزاع منخفض الحدة”.

وأكد المتحدث ذاته أن “هذه المدرعة تسد الفجوة التكتيكية بين العربات الخفيفة وناقلات الجند المدرعة الثقيلة، مانحة القوات البرية منصة ذات قدرة حركية فائقة ومعدلات بقاء عالية؛ ما يجعلها مثالية لمهام الاستطلاع المسلح، والمهام الاستباقية، وحماية خطوط الإمداد، والانتشار السريع عبر مختلف التضاريس.

وأوضح أن “هذا التعزيز يرفع من جاهزية الجيش الملكي ويزيد من إمكانيات الإسقاط النيراني والسيطرة العملياتية؛ مما يؤكد على قدرة تدميرية متميزة للقوات المسلحة الملكية وقدرتها على تحقيق التفوق التكتيكي والردع الاستراتيجي”.

وختم البراق تصريحه بالقول: “هذا التطوير يُعزز من التموضع الإستراتيجي للدرك الملكي، ويُجهزه للتعامل مع أكثر سيناريوهات الاضطراب تعقيدا وخطورة، ويُرسخ موقعه كـفاعل رئيسي في تحقيق “المرونة الأمنية الشاملة” استعدادا للاستحقاقات العالمية الكبرى كتأمين كأس العالم 2030، حيث تزداد متطلبات قوة استجابة قادرة على فرض الاستقرار فوريا في ظل التهديدات اللامتماثلة المتزايدة”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق