لم يكن ليل أمس الثلاثاء في بعض المدن المغربية، على غرار وجدة وإنزكان وآيت عميرة وتيزنيت وبني ملال والرشيدية، عاديا بعدما حمل بين طياته مشاهد مؤلمة من العنف والتخريب والفوضى التي لم تشهدها شوارع المملكة منذ سنوات، وعكّرت صورة احتجاجات جيل “زد” الذي خرج للتظاهر سلميا من أجل تلبية مطالب اجتماعية يُجمع المغاربة جميعا على شرعيتها ومشروعيتها.
وبقدر إجماعهم وتأييدهم لمطالب الشباب المغربي بقدر ما توحدوا من خلال تفاعلاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي في التنديد بأحداث تخريب الممتلكات العمومية والخاصة، وإضرام النار في الطرق، وغيرها من الممارسات، ورفض سرقة جوهر الاحتجاج السلمي بمثل هذه الأعمال التي تنطوي على أفعال جرمية؛ وكان هذا الرفض صريحا من أصوات دينية وحقوقية وفكرية، أجمعتا على أن التظاهر حق مكفول دستوريا؛ لكن الانزلاق نحو الفوضى لا يورث إلا الخراب.
في منشور له على حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، قال الشيخ مصطفى الهلالي: “ما وقع الليلة بمدينة إنزكان انحراف بالمطالب المشروعة نحو المجهول.. اتقوا الله في بلدكم وممتلكات إخوانكم”، مضيفا أن “ما وقع الليلة وصمة عار في جبين الهمج الرعاع الذين روّعوا ودمّروا وخرّبوا”.
وتساءل الهلالي: “أي إصلاح يُرجى بعد هذه الجهالات؟”، مؤكدا أن “الواجب على المسؤولين الإسراع إلى إخماد ما يمكن إخماده، واتخاذ قرارات جريئة والاستجابة لما فيه الخير لتفريج هذه الكربة وإزالة هذه المحنة”.
محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، قال، في تدوينة على “فيسبوك”، إن “على هؤلاء الشباب الطائشين الذين انجرّوا إلى اقتحام المرافق العمومية والممتلكات الخاصة والاعتداء على العناصر الأمنية أن يعلموا أنهم يقامرون بهدم كل ما راكمه الشعب المغربي من منجزات منذ ما قبل الاستقلال”.
وأضاف عبد الفتاح أن “الإصلاح السياسي والمطالب الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق عن طريق اللجوء إلى العنف؛ فالتعاقد الاجتماعي القائم بين المغاربة مبني على احترام المؤسسات والحفاظ على هيبة الدولة التي تبقى الوحيدة المخوَّل لها احتكار وممارسة العنف”.
وخلص الناشط الحقوقي إلى أن “أي انجرار لاستخدام العنف لتحقيق مآرب سياسية سيفتح الباب على مصراعيه للاحتكام إلى معيار القوة وقانون الغاب، وهو معيار لن يكون في صالح أي طرف مدني؛ بل سيكون –للأسف– الشباب المتظاهرون المؤمنون بالسلمية وبدولة القانون أول ضحاياه، طبعا”.
من جهته، اعتبر أحمد عصيد، الناشط الحقوقي والكاتب الأمازيغي، أن “انجرار أحداث الشارع المغربي نحو العنف أمر غير محمود، وليس في صالح أحد، ولا يؤدي إلى الأهداف المطلوبة لا من طرف الشباب ولا من طرف السلطات”.
وعلّقت الحقوقية بشرى عبدو، رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، على أحداث العنف قائلة: “نعم للتظاهر السلمي المطالب بالحقوق الإنسانية، لا للعنف والتخريب”.
في سياق ذي صلة، تفاعل سعيد تمام، الباحث في القانون والإعلام، ضمن منشور على حسابه الرسمي بمواقع التواصل الاجتماعي، قائلا: “الاحتجاج فعل مشروع ومُبرَّر؛ لكن أعمال الشغب والتخريب التي تطال منقولات وعقارات في ملكية الدولة أو الخواص لا مبرر لها وتُسيء إلى التعبير الاحتجاجي السلمي”.
وشدّد تمام على أنه “غير مقبول أن تترك الحكومة رجال ونساء القوات العمومية في مواجهة إخوتهم وأبنائهم دون أن تُقدّم جوابا سياسيا على الفور”.
وأبرز الباحث في القانون والإعلام أن “الإعلام العمومي، المنوط به أداء مهام الخدمة العمومية، من المفروض ألا يستكين للصمت في انتظار بلاغات الحكومة أو تصريحات رئيسها أو أي عضو من أعضائها، التي لم تصدر رغم انقضاء ثلاثة أيام. فخطه التحريري، قانونا، مستقل عنها.. وعليه أن يكون حاضنا لأصوات ومطالب هؤلاء الشباب، بحضور كافة الوسطاء المؤسساتيين، بمن فيهم أعضاء من الحكومة، وألا يُتركوا لمصطادي هفوات الأزمات”.
تفاعلا مع الأحداث ذاتها، أكد الفاعل الجمعوي توفيق التميمي أن “ما حدث أمس في وجدة، واليوم في إنزكان بأكادير، وآيت عميرة، وتمارة من اعتداءات على سيارات الأمن ورشق القوات العمومية بالحجارة وتخريب الممتلكات العامة، لا يمتّ بصلة إلى مفهوم الاحتجاج السلمي المشروع، مهما كانت طبيعة المطالب أو مشروعيتها”.
وأشار التميمي، ضمن منشور له، إلى أن “الاحتجاج السلمي حق دستوري وقانوني، وهو وسيلة حضارية للتعبير عن الرأي والمطالبة بالتغيير؛ غير أن الانزلاق نحو العنف والفوضى يُفقد أي قضية عدالتها ويشوّه صورة الشباب المغربي والمجتمع أمام الرأي العام”.
وأكد الفاعل الجمعوي عينه ضرورة التمييز بين “مواطن شاب يرفع شعارات التغيير في إطار سلمي وبمطالب مشروعة ومعقولة، وبين مواطن شاب هو ضحية خطاب البؤس والتيئيس والعدمية والسوداوية، جُعل منه مشاغبا قادرا على تحويل الفضاء العام إلى ساحة مواجهة”.
0 تعليق