نصف طن أسبوعيا.. رحلة الرسائل الورقية إلى بابا الفاتيكان في زمن الرقمنة - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
نصف طن أسبوعيا.. رحلة الرسائل الورقية إلى بابا الفاتيكان في زمن الرقمنة - بلس 48, اليوم الأربعاء 16 يوليو 2025 05:15 مساءً

داخل جناح تقني مزدحم في مطار فيوميتشينو الدولي بروما، بعيدًا عن صخبة المسافرين، تدور آلة أخرى لا تقل تعقيدًا، حيث يواجه موظفو البريد الإيطالي مهمة فريدة يوميًا تتمثل في فرز وتوجيه تدفق مستمر من الرسائل موجهة إلى بابا الفاتيكان

محتويات الشاحنات الصفراء

تتنوع محتويات الشاحنات الصفراء التي تصل إلى مركز الفرز التابع لبريد "بوستي إيطاليان" كما رصدت وكالة فرانس برس، قد تتناثر على طاولات الفرز رسائل قادمة من هونج كونج تحمل طابعًا بريديًا دقيقًا، إلى جانب مغلفات متواضعة من الكاميرون، وظروف ملونة من البرازيل تحمل دفء أميركا اللاتينية، وبطاقات بريدية من الولايات المتحدة مزينة بثلاثة طوابع تحمل العلم الأميركي، وحتى رسالة من إمارة أندورا الصغيرة. 

"نتلقى يوميًا مئات الرسائل الموجهة إلى قداسة البابا"، يؤكد أنتونيلو تشيديشيمو، مدير مركز فرز الرسائل في فيوميتشينو، لفرانس برس، ويضيف "تصل ذروتها إلى 100 كيلوجرام يوميًا، أي ما يعادل 500 إلى 550 كيلوجرامًا أسبوعيًا"، نصف طن أسبوعي من البريد "الموجه إلى بابا الفاتيكان لاوون الرابع عشر" – وهو خطأ شائع في العنوان يظهر مدى تنوع مرسلي هذه الخطابات ومعرفتهم.

رسائل ورقية في عصر الهيمنة الرقمية

ما يدهش تشيديشيمو وفريقه ليس الكم الهائل فحسب، بل أيضًا الشكل الذي تأتي به هذه الرسائل في عصر الهيمنة الرقمية: "هناك عدد كبير من الرسائل المكتوبة من أطفال، وبطاقات بريدية"،

 يقول المدير: "ومن المدهش أن نرى أن الكثير من الأشخاص لا يزالون... يستخدمون الريشة في الكتابة". هذه اللمسة اليدوية، هذا الجهد المتعمد في زمن السرعة الرقمية، يعكس عمق الشعور وراء الكلمات المرسلة إلى قائد الكنيسة الكاثوليكية.

بعد الفرز الدقيق – آليًا عبر الآلات المتطورة التي تفكك وتصنف البريد، أو يدويًا عند الحاجة خاصة للمغلفات غير القياسية أو الهشة – تبدأ المرحلة التالية من الرحلة. تُجمع الرسائل، التي قد تحمل أحيانًا مجرد عنوان "البابا، الفاتيكان" أو "His Holiness Pope Francis, Vatican City" (مع الرمز البريدي 00120)، في صناديق وتُحمّل على شاحنة صغيرة، وفي نفس اليوم، تقطع هذه الشاحنة المسافة القصيرة نسبيًا (حوالي عشرين كيلومترًا) لكنها ذات المغزى الكبير، من ضواحي روما الحديثة إلى أسوار مدينة الفاتيكان المقدسة، قلب العالم الكاثوليكي.

تدفق البريد دون انقطاع

حتى في فصل الصيف الحار، يستمر تدفق البريد دون هوادة، بل ويشهد ذروات غير متوقعة. كما لوحظ في مكتب البريد الإيطالي، ما زالت رسائل التهنئة بانتخاب الكاردينال روبرت فرانسيس بريفوست (الذي اتخذ اسم البابا فرنسيس عند انتخابه) في 8 مايو تصل باستمرار، رغم مرور أشهر على الحدث.

 نيكولا فاكارو، موظف في المكتب البريدي المركزي في ساحة القديس بطرس، يلاحظ لفرانس برس نمطًا جغرافيًا: "إن عددًا كبيرًا ممّن يُسلمون هذه الرسائل هم من أميركا الجنوبية أو آسيا". هذا يعكس التركيبة الديموغرافية المتغيرة للكنيسة الكاثوليكية، حيث ينمو عدد المؤمنين بشكل ملحوظ في تلك القارات.

تصنيف بناء على المحتوى

خلف الأسوار الحجرية العالية للفاتيكان، تنتقل مسؤولية هذه الكنوز الورقية إلى جهاز أكثر حساسية: أمانة سر دولة حاضرة الفاتيكان، فوفقًا لتقارير لوسائل إعلام مثل "رويترز" و"أسوشيتد برس"، تُجمع الرسائل وتُفرز بعناية فائقة.

و لا يقتصر عمل موظفي الأمانة على التنظيم اللوجستي؛ فهم مسؤولون عن إجراء عمليات التحقق الأمنية المعتادة، وهي خطوة حاسمة نظرًا لحساسية موقع المتلقي، فيما  تُصنف الرسائل بناءً على محتواها (صلوات، طلبات مساعدة، شكاوى لاهوتية، رسائل شكر، تحيات شخصية) وأهميتها المحتملة. ثم تُقدم المجموعات المختارة إلى أمانة قداسة البابا الخاصة، والتي تقرر أيها سيصل إلى طاولة البابا فرنسيس نفسه.

طابع شخصي للتواصل مع الحبر الأعظم

وهنا تكمن المفارقة الأكثر إنسانية في هذه العملية الواسعة النطاق. على الرغم من الكم الهائل، لا تذهب هذه الرسائل إلى فراغ. 

البابا فرنسيس، المعروف بقربه من عامة الناس وتأكيده المتكرر على "رائحة الخراف" التي يجب على الراعي أن يحملها، يُعرف باهتمامه الشخصي بالبريد. وكما وثقّت تقارير لـ "بي بي سي" و"نيويورك تايمز"، غالبًا ما يخصص البابا وقتًا لقراءة عينة من هذه الرسائل بنفسه. 

الأكثر لفتًا للنظر هو أنه أحيانًا ما يرد شخصيًا، لكن الرد يأخذ شكلاً هجينًا بين القديم والجديد: يكتب البابا ملاحظة مختصرة بخط يده الهادئ في هامش الرسالة الأصلية أو على ورقة منفصلة، ثم يأتي دور سكرتيره الخاص، الذي يقوم بمسح هذه الملاحظة المكتوبة بخط اليد ضوئيًا، وإرسالها عبر البريد الإلكتروني إلى المرسل الأصلي، شريطة أن يكون قد ترك عنوانًا واضحًا،  هذه الممارسة، البسيطة في تنفيذها لكنها عميقة في دلالتها، تحافظ على الطابع الشخصي للتواصل مع الحبر الأعظم مع استغلال التكنولوجيا لتجاوز الحدود الجغرافية واللوجستية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق