قصة زجاجة زيت.. رحلة من المطبخ إلى المجهول - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
قصة زجاجة زيت.. رحلة من المطبخ إلى المجهول - بلس 48, اليوم الجمعة 8 أغسطس 2025 02:48 مساءً

كانت الحاجة «أمينة» سيدة مصرية أصيلة، لا تترك شيئًا يذهب هباءً في مطبخها المتواضع، كانت كل قطرة زيت لها حساب، بعد أن تنتهي من قلي البطاطس أو الباذنجان، كانت تجمع الزيت المستعمل في زجاجة بلاستيكية قديمة، وتضعها جانبًا لتعطيها للبائع الذي ينادي يوميا في الشارع لشراء الزيت المستعمل، كانت الست أمينة تعتقد أنها بذلك توفر بعض المال، أو على الأقل لا تهدر نعمة، لم تكن تدري أن هذه العادة البسيطة التي تتكرر في ملايين البيوت المصرية تحمل في طياتها قصة أكبر بكثير، قصة تتشابك فيها الأرقام الكبيرة مع المخاطر الصحية والبيئية، قصة تبدأ من مطبخها الصغير وتنتهي في مصانع مجهولة الهوية.

في مصر، يبلغ حجم استهلاك الزيوت النباتية أكثر من 2 مليون طن سنويًا، هذا الرقم الهائل يعني أن هناك كمية كبيرة من الزيوت المستعملة التي تخرج من المطابخ والمطاعم كل يوم، التقديرات تشير إلى أن حجم هذه الزيوت المستعملة يصل إلى حوالي 500 ألف طن سنويًا، وهي كمية ضخمة تحتاج إلى إدارة دقيقة ومراقبة صارمة، لكن لسنوات طويلة، كانت هذه الزيوت المستعملة تتحرك في منطقة رمادية، بعيدًا عن أي رقابة حقيقية.

كانت الحاجة أمينة تبيع الزجاجة المملوءة بالزيت المستعمل إلى بائع متجول يمر في حيها كل أسبوع، هذا البائع، بدوره، كان يبيع ما جمعه إلى تاجر أكبر، وهكذا في سلسلة لا تنتهي من الوسطاء، لم يكن أحد في هذه السلسلة يعرف المصير النهائي لهذه الزيوت أما بالنسبة للحاجة أمينة، فكانت تفعل ذلك بدافع الاقتصاد، لكن ما لم تكن تعرفه هو أن هذا الزيت قد يعود إليها مرة أخرى، لكن هذه المرة في شكل آخر وأكثر خطورة.

عندما يتحول الاقتصاد إلى خطر

في عالم موازٍ لهذه القصة الإنسانية، كانت الدكتورة منال عوض، وزيرة التنمية المحلية والقائم بأعمال وزير البيئة، تدرك جيدًا حجم هذه المشكلة، كانت تعلم أن غياب الرقابة على الزيوت المستعملة يشكل خطرًا بيئيًا وصحيًا كبيرًا، هذه الزيوت إذا لم يتم التخلص منها بشكل سليم أو إعادة تدويرها بطرق آمنة، يمكن أن تتسبب في كوارث بيئية، على سبيل المثال، إلقاؤها في شبكات الصرف الصحي يؤدي إلى انسدادات مكلفة، وتسربها إلى التربة أو المياه الجوفية يلوثها بشكل يصعب علاجه.

الأخطر من ذلك هو الاستخدامات غير المشروعة لهذه الزيوت. في الظل، تنتعش تجارة غير قانونية تقوم على جمع هذه الزيوت وإعادة تدويرها في مصانع غير مرخصة وبطرق بدائية، هذه المصانع قد تقوم بإعادة تدوير الزيت ليُباع مرة أخرى على أنه زيت جديد، أو قد تستخدمه في صناعات أخرى مثل الصابون، أو الأسوأ من ذلك، في إنتاج وقود حيوي غير مطابق للمواصفات، هذه الزجاجات المعاد تدويرها بشكل غير سليم يمكن أن تحتوي على مواد مسرطنة ومخلفات ضارة، مما يشكل خطرًا مباشرًا على صحة المستهلكين.

هذه المصانع المجهولة تستغل الفجوة الرقابية، وتستغل البسطاء مثل بائع الزيت المتجول والحاجة أمينة، لا أحد منهم يدرك أنه جزء من منظومة غير قانونية تسبب ضررًا كبيرًا للمجتمع والبيئة. لكن الآن، الوضع على وشك أن يتغير.

الزيت المستعمل

قرار حاسم

إدراكًا منها لخطورة الموقف، أعلنت الدكتورة منال عوض عن صدور قرار وزاري جديد ينظم إصدار التراخيص المتعلقة بأنشطة تداول زيوت الطعام المستعملة، هذا القرار، الذي نُشر في الجريدة الرسمية، هو بمثابة إعلان عن نهاية عصر «المنطقة الرمادية».

القرار الجديد يضع شروطًا صارمة للحصول على تراخيص لجمع أو نقل أو تخزين أو تصدير الزيوت المستعملة، الشركات التي ترغب في العمل في هذا المجال يجب أن تكون لديها الإمكانيات والأدوات اللازمة، والأهم من ذلك، يجب عليها أن تتعامل فقط مع مصانع رسمية ومرخصة لإعادة تدوير الزيوت، هذا يضمن أن كل قطرة زيت مستعملة يتم تتبعها من لحظة خروجها من المطبخ وحتى وصولها إلى المصنع المخصص لإعادة تدويرها بشكل آمن.

كما أكد القرار على ضرورة إنشاء سجل تتبع في المصانع المستقبلة للزيوت، لتسجيل كميات الزيت الواردة، مما يساهم في إحكام الرقابة وضمان عدم تسرب أي كمية إلى السوق السوداء.

نداء أخير

قصة الحاجة أمينة هي قصة كل بيت مصري، قد تكون النية حسنة، لكن الجهل بعواقب الأفعال هو ما يجعلنا نقع في فخ الممارسات الخاطئة، الآن، مع القرار الجديد، أصبح لدى كل مواطن مصري مسؤولية أكبر، وزارة البيئة تدعو الجميع إلى التخلص الآمن من الزيوت المستعملة، من خلال الشركات المرخصة والعاملة في مجال جمع ونقل الزيوت، هذه الدعوة ليست مجرد توصية، بل هي جزء من حل مشكلة كبيرة كانت تواجه المجتمع.

اقرأ أيضاًضبط مخزن غير مرخص لتعبئة الزيوت بعبوات ملوثة وعلامات تجارية مقلدة بدمياط

ضبط مخزن لتجميع وتصنيع الزيوت المستعملة وبيعهـا بطرق غير قانونية في أوسيم

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق