نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
قصة هامش على دفتر الحلم - بلس 48, اليوم الجمعة 1 أغسطس 2025 08:32 مساءً

قصة هامش على دفتر الحلم
بقلم نادية بن شريفة
في قريةٍ جبليّة يغسلها ضوءُ الأطلس كلَّ صباح،
كانت الشمس تتسلّل من بين أعمدة الدخان الصاعد من مواقد الطين،
وتلقي بظلالٍ دافئة على جدرانٍ تتنفس البساطة.
جلست أريناس ذاتَ العاشرة عند عتبة البيت الطيني،
والضوء يلامس وجنتيها بلطف،
تُدوِّن على هامش دفتر الرياضيات، بخط غير مستقيم:
«وُلِدتُ من صمت الحروف
لأُعيد ترتيبَ ضوء النهار».
لم تكن تعرف العَروض، ولا وزن القصائد،
لكنها كانت تشعر أن الكلمات تهزّ شيئًا عميقًا في صدرها.
نظرت إليها والدتها – الحاجة فاطمة – وهي تضع خُبز التنور جانبًا،
وربّتت على كتفها قائلة بابتسامة واثقة:
'اكتبي يا ابنتي… فالكلمة ظلّ صاحبها، لا يموت.'
كبرت أريناس.
لم تعد تلك الطفلة التي تكتب على دفاتر مدرسية،
بل امرأة تُوازن بين الدراسة، والعمل، ومسؤوليات الحياة.
اختارت علم النفس، لأنها تؤمن أن النفس قصيدة أخرى
يجب أن تُقرأ لا أن تُعالَج فقط.
لكن دفاتر الطفولة كانت تنتظرها بصبر في علبة كرتونية بين الكتب.
وفي خريف عامها الخامس والثلاثين،
رأت رؤيا:
كانت واقفة وسط قاعة، تُوقّع ديوانًا يحمل اسمها.
استيقظت على دفء غريب، كأن أحدًا نادى حلمها باسمه.
في الصباح، وضعت أوراقها داخل ملف أزرق،
نزلت المدينة بخطى مترددة، ودخلت دار نشر تُدعى 'أجنحة'.
كان المكان بسيطًا:
مكتبٌ خشبي، رائحة ورقٍ قديم،
ورجل أصلع بنظارات سميكة يقلب أوراقها.
قال بعد صمتٍ طويل:
'السوق شحيح يا ابنتي... الشعر لا يبيع.'
لكنها رفعت رأسها بثباتٍ يشبه وقفة الصبار أمام الريح:
'أنا لا أبيع ورقًا، بل أُطلِق قلبًا ظلّ ينبض سرًّا.'
وافق الأستاذ رمزي أخيرًا على المجازفة.
بدأت أريناس رحلتها بين القصائد والتدقيق والنشر،
لكن الطريق لم يكن مفروشًا بالقصائد.
في كل مرة كانت تحاول الكتابة،
كان الوقت ينزلق من يديها كالرمل.
بين مسؤوليات البيت، والدراسة، وتحضير الطعام،
كانت تسرق لحظاتها من الليل.
تكتب على ضوء الهاتف،
أو على أوراق ممزقة من دفاتر أختها الصغيرة.
زاويتها المفضلة؟
ركن صغير قرب النافذة، تقابله شجرة صبار واقفة بثبات،
كأنها تقول لها: 'اصبري... أنتِ تشبهينني.'
وفي إحدى محاضرات الجامعة،
قال أستاذ جامعي بسخرية وهو ينظر إلى دفاترها:
'الشعر لا يُطعم خبزًا… اتركيه وانشغلي بما ينفعك.'
عادت يومها تبكي، لا من القسوة،
بل من خوف أن يكون الحلم مجرد طفولة لم تنضج.
لكنها في الليل، كتبت قصيدة بعنوان:
'أكتب، إذًا أنا أتنفّس'
حينها أدركت أن الشعر ليس هواية،
بل أوكسجين الروح.
بعد أشهر،
وقفت أريناس في قاعة مضاءة بمصابيح صفراء باهتة،
وفي الخلفية صوت أذان المغرب يتسلل من مئذنة قريبة.
رفعت ديوانها الموسوم بـ 'على هامش القلب'،
وقدّمت نسخة لأمها،
التي ضمّتها ودمعتها لمعت كنجمة تقول:
'كبر الحلم يا صغيرتي… لكن عزيمتك لم تشخ.'
في تلك اللحظة،
أيقنت أريناس أن القصيدة التي بدأت على هامش دفترٍ مدرسي،
قد نضجت… لا لأنها طُبعت، بل لأنها عاشَت
قصة هامش على دفتر الحلم
اقرأ ايضا
0 تعليق