في يوم العائلة.. الدفء المطلوب! - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
في يوم العائلة.. الدفء المطلوب! - بلس 48, اليوم الجمعة 1 أغسطس 2025 02:18 مساءً

يُحكى أن كافكا، قال ذات مرة وهو يحدّق في علبة كبريت فارغة: "ستنال الحب والاهتمام فقط إذا كنت مفيدًا، وبمجرد أن تصبح عاجزًا عن تقديم أي شيء، سيتركك الجميع".

 

ولعله كان يتحدث عن أولئك الذين عبروا منتصف العمر، وتخطّوا سنوات الإنتاج الصاخبة. الذين كانوا يومًا مديري مكاتب، وأطباء لا يُرفض لهم طلب، وآباءً تُطاع كلمتهم.. ثم فجأة، بات وجودهم هامشيًّا، محاطين بصمتٍ بارد، وذاكرة لا يفتحها أحد.

 

تمرّ أسماؤهم على هامش المناسبات، لكن لا أحد يُصغي إليهم حين يتحدثون، وكأن الزمن قد طواهم وتركهم خارج السطر.

 

نحن نتقن تلميع المشهد لا إصلاحه. نضع الأم في إعلان عن الحنان، ثم نضعها في دار مسنين حين تنطفئ الأضواء.

 

نكتب عن الأب في "يوم العائلة"، ثم لا نردّ على اتصاله إن جاء في لحظة "غير مناسبة". نُجيد البرّ الموسمي: وردة في عيد الأم، منشور ملوّن عن الأب، لكننا لا نراهم في وحدتهم، ولا نسمع أنينهم في ليالي الشتاء الباردة.

 

في الغرب، حين يختنق المسنّ بالوحدة، ينتحر.

 

أما عندنا، فهو لا ينتحر، لأنه يعلم أن غيابه لن يفتقده أحد. وهذا موتٌ بطيء، أشدّ من الغياب.

 

الدولة فعلت ما تستطيع: خفّضت رسوم المواصلات، وسمحت بدخول المتاحف مجانًا، وأطلقت صندوقًا لرعايتهم اجتماعيًّا وصحيًّا، وقدّمت إعفاءات ضريبية لمؤسسات خدمتهم، لكن القانون لا يملأ فراغ القلب، ولا يمنح الدفء لمن أفنوا عمرهم في العطاء. المسنّ لا يريد تذكرة مجانية، بل من يسأله عن يومه، من يُصغي إلى صمته الطويل.

 

قال الله تعالى: "إمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ".. لم يكن المقصود التأفف فقط، بل أن يبلغ الكِبَر عندك، لا في دار بعيدة، ولا على هامش جدول مزدحم.

 

المشكلة ليست في الشيخوخة، بل في قلوبنا التي لم تعد تعرف كيف تُحب من لم يَعُد نافعًا. في جيل لا يمنح العطف إلا مشروطًا، ولا يرى الكبار إلا إذا احتاج إليهم.

 

كبار السن ليسوا عبئًا، بل مرآة نرى فيها نحن مستقبلنا القريب، وإذا تجاهلناهم، أصابنا زهايمر جماعي، ننسى فيه من علّمنا الحروف، ومن انتظر عودتنا من المدرسة، ومن بكى لدمعتنا يومًا.

 

وقد عبّرت السينما عن هذا ببراعة، كما في فيلم The Father، حين وقف أنتوني هوبكنز، مجسّدًا دور الأب الذي يفقد ذاكرته، وقال: "أشعر أنني أفقد كل أوراقي".. صرخة واحدة، لكنها تحمل وحدة كل الآباء الذين لم يعودوا يُذكرون، ولا يُزارون، ولا يُسألون: كيف مضى يومكم؟

 

أكتب هذا لا شفقة، بل تذكيرًا: أول ما يفقده الإنسان حين يكبر، ليس السمع، ولا البصر، بل مكانته في قلوب من أحبهم.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق