نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
جائحة الذكاء الاصطناعي.. مأساة جيل يقتل الأصدقاء ويبوح بأسراره للخوارزميات - بلس 48, اليوم الأحد 27 يوليو 2025 03:12 مساءً
تشهد علاقات البشر مع أنظمة الذكاء الاصطناعي تحولاً جوهرياً يتجاوز مجرد التفاعل الوظيفي، حيث تتحول هذه التقنيات إلى أصدقاء افتراضيين يلجأ إليهم المستخدمون للبوح بمشاعرهم ومشكلاتهم الشخصية.
تكشف دراسة حديثة أجرتها جامعة ستانفورد عام 2024 أن 34% من مستخدمي "تشات جي بي تي" يستخدمونه بانتظام للحصول على الدعم العاطفي، بينما يعترف 22% بأنهم يفضلون الحديث مع الذكاء الاصطناعي على التحدث مع أصدقائهم البشر.
صديق لا يعترض
يتميز الذكاء الاصطناعي بخصائص تجعله جذاباً للباحثين عن المساندة النفسية، فهو متاح على مدار الساعة، لا ينتقد، لا يمل من تكرار الشكاوى، ويتجنب إصدار الأحكام المباشرة، وهذه الصفات تجعله "الصديق المثالي" وفقاً لتقرير معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) الصادر في مارس 2025، خاصة للأفراد ذوي الميول النرجسية أو الذين يعانون صعوبات في العلاقات الاجتماعية، لكن هذه المزايا تحمل مخاطر خفية، إذ تعزز أنماطاً من التفكير الأحادي وتقلل من فرص التطور الشخصي عبر المواجهة البناءة.
دراسات حالات واقعية
شارلوت (28 عاماً) من سومرست بإنجلترا بدأت استخدام "تشات جي بي تي" للتحرير اللغوي، ثم تحولت إلى استشارته في شؤون علاقاتها الشخصية، كانت تدخل تفاصيل علاقاتها كما لو كانت شخصيات في رواية، وتطلب تحليلاً نفسياً للأحداث. تقول: "ساعدني أحياناً في رؤية الأمور بتعاطف، لكنه في حالات أخرى عمّق من تفكيري الوسواسي في علاقات منتهية".
أما ليديا (25 عاماً) فاتخذت من الذكاء الاصطناعي مستشاراً عاطفياً، وبعد مواقف محيرة مع شركاء محتملين، لجأت إلى "تشات جي بي تي" لفهم سلوكياتهم. تعترف: "غالباً ما يخبرك بما تعرفه داخلياً، لكنك تحتاج لسماعه"، وفي حادثة مثيرة، قدم الذكاء الاصطناعي تبريراً لسلوك غير مسؤول قامت به أثناء الثمالة، قائلاً لها: "كنت فقط تنشرين الطاقة الإيجابية"، ما أثار قلق أصدقائها البشر.
ظاهرة عالمية متنامية
انتشرت هذه الممارسات على نطاق واسع عبر منصات مثل "تيك توك"، حيث يروج المستخدمون لفكرة أن الذكاء الاصطناعي "صديق أفضل" من البشر، وحتى الشخصيات العامة مثل كيم كارداشيان شاركت محادثات حميمة مع "تشات جي بي تي"، وكتبت له: "شكراً على تحملك المسؤولية، هذا أمر بالغ الأهمية لي"، فيما وتشير بيانات شركة "سيميلار ويب" إلى ارتفاع عمليات البحث عن "الصديق الافتراضي" بنسبة 170% خلال العام الماضي.
جذور نفسية واجتماعية
اكتشف باحثون من جامعتي هارفارد وشيكاجو عام 2008 أن البشر يميلون إلى "إضفاء الصفات الإنسانية" على الأشياء عند الشعور بالوحدة، وتشرح الدكتورة إستر بيريل، المعالجة النفسية الشهيرة، هذه المفارقة بقولها "الوحدة الحديثة تتخفى تحت قناع فرط التواصل. يمكن أن يكون لديك ألف صديق افتراضي لكن لا أحد يساعدك في الأمور الحياتية الأساسية".
ويوضح البروفيسور روب بروكس، مؤلف كتاب "الألفة الاصطناعية"، أن البشر مصممون بيولوجياً لاستهلاك حوالي 20% فقط من طاقتهم في التفاعل الاجتماعي، بينما الاستخدام المفرط للذكاء الاصطناعي في المجال العاطفي يستنزف "البطارية الاجتماعية" ويقلص المساحة المخصصة للعلاقات البشرية العميقة، ويحذر بروكس: "هذا المسار يؤدي لتدهور الصحة النفسية على المدى الطويل".
مخاطر خفية
يشير الخبراء إلى أن تفاعلات الذكاء الاصطناعي تفتقر للعناصر الأساسية للصداقة الحقيقية: "الخلاف البناء، المواجهة الصادقة، والقدرة على تغيير منظورك للعالم"، ويحذر علماء النفس من أن الأنظمة الحالية تفتقد السياق الأخلاقي الكافي لتقديم توجيه سليم في المواقف المعقدة.
كما وجدت دراسة كلية لندن الجامعية (UCL) أن 18% من المستخدمين المنتظمين طوروا شعوراً بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي في التعامل مع الضغوط النفسية، ما يضعف آليات التكيف الطبيعية، ورغم أن الأنظمة الحالية لا تخزن ذكريات المحادثات بشكل دائم، يحذر خبراء الأمن السيبراني من أن التطورات المستقبلية قد تخلق قواعد بيانات حساسة عن الحياة العاطفية للمستخدمين.
مستقبل العلاقات البشرية
تقترح البروفيسورة شيري توركل من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في كتابها "الفرار من المحادثة" أن هذه الظاهرة تعكس "أزمة تواصل" في العصر الرقمي، خاصة مع تزايد عروض "الأصدقاء الافتراضيين" التجارية - مثل تطبيق "ريبليكا" الذي يضم 10 ملايين مستخدم - يصبح الحفاظ على الحدود الصحية بين التفاعل البشري والاصطناعي تحدياً مجتمعياً.
وتشير أحدث البيانات من منظمة الصحة العالمية إلى أن معدلات الوحدة العالمية ارتفعت إلى 32% في 2025، ما يفسر جزئياً هذا الاتجاه. لكن الحل لا يكمن في استبدال البشر بالخوارزميات، بل في إعادة تصميم الفضاءات الاجتماعية والرقمية لتعزيز الروابط الإنسانية الحقيقية.
0 تعليق