زياد الرحباني.. رحيل صامت لابن "فيروز" الذي جرّدها من حيادها الأسطوري - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
زياد الرحباني.. رحيل صامت لابن "فيروز" الذي جرّدها من حيادها الأسطوري - بلس 48, اليوم السبت 26 يوليو 2025 01:05 مساءً

فقد العالم العربي صباح اليوم السبت الموسيقار والمسرحي اللبناني زياد الرحباني عن عمر ناهز 69 عاماً بعد صراع طويل مع المرض، وفق إعلان عائلته ووسائل الإعلام اللبنانية، ليرحل ابن السيدة فيروز وعاصي الرحباني في صمت كما عاش سنواته الأخيرة، تاركاً مسيرة فنية اختزل فيها تاريخ لبنان الحديث بكل تناقضاته السياسية والاجتماعية.

المشوار الفني لزياد الرحباني 

وُلد زياد في 1 يناير 1956 داخل "بيت الفن" الذي شكّله والداه، حيث ظهرت موهبته الموسيقية في سن السادسة حين كان والده يعرض عليه ألحانه ليقيّمه، وفي السابعة عشرة، قدم أول لحن لفيروز بعنوان "سألوني الناس" (1973) أثناء وجود عاصي في المستشفى، ليفاجئ الجمهور بنضجٍ موسيقي نادر. 

رفض زياد أن يكون امتداداً لمدرسة الرحابنة المثالية، وبدأ مسيرته المستقلة بمسرحية "سهرية" (1973) التي وصفها بأنها "حفلة أغاني"، ثم توالت أعماله الهجّاءة مثل "نزل السرور" (1974) التي تنبأت بالحرب الأهلية، و"بالنسبة لبكرا شو؟" (1978) 213. حوّل المسرح إلى مرآة للواقع اللبناني، مستخدماً اللهجة المحكية والسخرية السوداء، وفق الباحث أكثم اليوسف في بحثه "حصاد الشوك" حيث يقول: "في ظل الحرب، فرض زياد نفسه ككاتب مسرحي ومخرج وملحن... وصار مسرحه صوتاً لجيل عالق في مرمى النار".

أزمات شخصية في حياة زياد الرحباني 

تزوّج زياد من دلال كرم وأنجبا "عاصي الابن"، لكن الزواج انهار سريعاً، واعترف لاحقاً: "لي اليد الكبرى في فشله"، مشيراً إلى أن طبيعته المضطربة وقلقه الداخلي كانا السبب الرئيسي. 

وخلال الحرب الأهلية، عاش في غرب بيروت بينما كانت دلال في الشرق، مما منعه من رؤية ابنه حتى التاسعة، وفي 2008، تقدّم بدعوى قضائية لينفي نسب عاصي بعد فحص الحمض النووي، مما أشعل أزمة إنسانية وصفها مقرّبون بـ"الجرح الأعمق في حياته" 4. لاحقاً.

وعاش علاقةً مع الممثلة كارمن لبس استمرت 15 عاماً، انتهت عندما أدركت عدم قدرته على منحها الاستقرار، وصرّحت كارمن في إحدى مقابلاتها النادرة: "زياد هو الشخص الوحيد الذي أحببت... الرجل الذي شربت معه القهوة كل صباح"، بينما علّق هو: "كنت أعدها بأن الوضع مؤقت، لكنني لم أستطع إصلاحه".

الجانب السياسي في حياة زياد الرحباني 

ارتبط اسم زياد باليسار والشيوعية، وكتب مقالات نارية في صحف "النداء" و"الأخبار" و"النهار"، لكن مواقفه أثارت انقساماً حاداً، وفي 2013، أعلن خلال ظهور على قناة "المنار" تأييده لنظام بشار الأسد، مما أغضب جمهوره اليساري واتهموه بـ"الانقلاب الأيديولوجي".

هاجم زياد حزب الله علناً في مقابلة مع "تلفزيون الجديد" (2014)، كاشفاً أن الحزب شوّش على حفله في الناقورة بعد انتقاده إهماله للحزب الشيوعي: "لا نستطيع أن نخسر كل البلد من أجل حزب الله".

وتلقّى تهديدات بالقتل، وصرّح قائلا: "بلغت الشرطة مرات كثيرة"، فيما بلغت الأزمة ذروتها عام 2014 عندما أعلن هجرته إلى روسيا، كما نقلت صحيفة "الحياة"، بسبب "ضيق الأفق السياسي في لبنان" بعد الخلاف مع حزب الله.

علاقته المعقدة بفيروز

قدّم زياد لفيروز 30 أغنية غيّرت مسارها الفني، منها "البوسطة" التي مزجت الجاز بالموسيقى الشرقية، و"عندي ثقة فيك"، و"إيه في أمل" 28، رغم هذا التعاون، ظلت علاقته الشخصية بها متوترة، إذ رأى النقاد أن أعماله معها كانت محاولة لتحريرها من "المثالية الرحبانية" ونقلها إلى فضاءات الواقع المرير.

و في 2013، أشعل عاصفة إعلامية عندما صرّح لـ"بي بي سي" أن "فيروز تحب حسن نصرالله كثيراً"، ما أثار جدلاً انقسم فيه اللبنانيون بين مؤيد ومعارض، ووصفته بعض التعليقات بأنه "جرّدها من حيادها الأسطوري".

آراء النقاد في مشروع زياد الرحباني

تنقسم آراء النقاد والخبراء حول مشروع زياد الرحباني الفني والسياسي بين اعتباره ظاهرة ثورية غيرت وجه المسرح والموسيقى العربية، ومن أبرز التحليلات ما قدمه الباحث أكثم اليوسف في دراسته "حصاد الشوك"، حيث رأى أن مسرح زياد مثل صوتاً لجيل ضائع في زمن الحرب الأهلية، محولاً خشبة المسرح إلى "مستشفى مجانين" يعكس الفساد البنيوي للمجتمع اللبناني، في مقابل المثالية الرومانسية التي تميزت بها أعمال الأخوين رحباني التي صورت لبنان كـ"بلد فوق الأرض.. جاراً للقمر". 

وهذا التحول الجذري من المثالية إلى الواقعية المريرة يشكل حسب اليوسف نواة المشروع الزيادي الذي كسر تابوهات المدرسة الرحبانية عبر استخدام اللهجة المحكية والسخرية السوداء وتجنيد شخصيات من الحياة اليومية بدلاً من الأبطال الأسطوريين.

من جهة أخرى، تبرز الناقدة جولييت المصري في تحليلها "زياد الرحباني.. العبقرية المنسية" بعداً مغايراً، معتبرة أن عبقريته تكمن في قدرته الفذة على مزج الشرق بالغرب بوعي نادر، مشيرة إلى أن أعماله تحمل "تلقائية وبساطة تتبدى فيها ثم تبهرك بعمقها ودرايتها"، لكنها تؤكد أنه لم يقدّر حق قدره في زمانه، مما يطرح تساؤلاً حول أسباب تغييب المجتمع لمثل هذه العبقرية الحية.

 في المقابل، يذهب الناقد إيلي فواز في "المجلة" إلى تحليل إشكالية الانقسام حول زياد، موضحاً أن "مشكلته ليست بمواقفه، بل بقدسية صورته لدى جمهوره الذي منحه عصمة سياسية" ، مما خلق صدمة جماعية عندما بدأت تنكشف تناقضاته

وفي الجانب الموسيقي ، يرى الناقد محمد شاويش أن تجربة زياد شهدت تحولاً مفاهيمياً من الالتزام بالتراث الموسيقي الشرقي إلى تبني اتجاهات غربية حديثة، وهو ما تجلى في ألبوماته الأخيرة مع فيروز مثل "معرفتي فيك" و"كيفك انت"، الذي يصفه شاويش بـ"الاتجاه الضال" الذي أضر بمسيرته الفنية . 

هذا الرأي يلتقي مع انتقادات زياد نفسه لفرق مثل "مشروع ليلى" التي وصفها بأنها تمارس "الاستشراق الموسيقي" عبر "حشر الآلات الشرقية على الإيقاعات الغربية بالعافية" 4، في تناقض صارخ مع اتهامات وُجهت له سابقاً بنفس الانتقاد عندما قدم ألحاناً لفيروز مزجت فيها الجاز بالموسيقى الشرقية. 

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق