نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هل يلامس الدولار الأمريكي القاع؟ حوار خاص مع خوليو ألونسو أورتيغا - بلس 48, اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025 09:12 صباحاً
في ظل عجز الميزانية الضخم، وتراجع معدلات التضخم، وتحول التوقعات بشأن أسعار الفائدة، يسود مشهد من الانقسام في أوساط المتعاملين بسوق الدولار. فبينما يرى فريق منهم أسبابًا وجيهة تضغط على العملة الأمريكية لمزيد من الهبوط، يعتقد الفريق الآخر أن الأسواق استوعبت بالفعل معظم الأنباء السلبية.
لإلقاء الضوء على أبعاد هذا الجدل، أجرت الأسبوع حوارًا مع خوليو ألونسو أورتيغا، وهو خبير اقتصادي إسباني وشريك في شركة القبس للاستشارات التي تتخذ من ليبيا مقرًا لها، ويقدم استشاراته لصناديق استثمارية كبرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
سؤال: ما الذي يفسر هذا الزخم الكبير في المراكز البيعية على الدولار الأمريكي مؤخرًا؟
جواب: يعود هذا الإجماع بشكل أساسي إلى المخاوف المتنامية حيال تفاقم العجز في الموازنة العامة الأمريكية والإنفاق الحكومي المتزايد.فعندما يرى المستثمرون قفزة في النفقات الفيدرالية، مدفوعةً بحُزم التحفيز لمواجهة الجائحة وتشريعات جديدة، فإنهم يفترضون أن هذا الأمر لا بد أن يضع ضغوطًا هبوطية على الدولار.
في حقيقة الأمر، الصورة أكثر تعقيدًا. فقد تلقى الاقتصاد الأمريكي ضخًا تحفيزيًا نقديًا هائلًا في مرحلة ما بعد الجائحة، مما رفع الناتج المحلي الإجمالي الاسمي إلى مستوى أساسي جديد وأكثر ارتفاعًا، كما أن العديد من الأمريكيين ما زالوا يستفيدون من قروض عقارية منخفضة الفائدة، مما شكّل درعًا واقيًا للإنفاق الأسري وحافظ على قوة الطلب والنمو.
إلا أن المؤشر الأبرز الذي يظل في صدارة المشهد هو العجز في الموازنة. فالعجز الأمريكي مرتفع بالفعل عند حوالي 6% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مستوى يرتبط عادةً بفترات الركود الاقتصادي لا الانتعاش، وهذا بالضبط هو ما يغذّي السردية القائلة بحتمية هبوط الدولار.
سؤال: هل يمكن القول إن تفاقم عجز الموازنة الأمريكية يؤدي حتمًا إلى ارتفاع التضخم وضعف الدولار؟
جواب: ليس بالضرورة. فلا يمكن الحكم على تأثير العجز في الميزانية بمعزل عن حجم الاقتصاد الكلي، وإلا كانت القراءة مضللة. صحيح أن الإنفاق الحكومي الأمريكي شهد قفزة (وسيواصل ارتفاعه بموجب التشريعات الجديدة)، لكن العبرة بنسبة العجز منسوبًا إلى الناتج المحلي الإجمالي. فمضاعفة الإنفاق من 10 إلى 20 مليون دولار قد تبدو رقمًا هائلًا في المطلق، لكن أثرها التضخمي يكاد لا يذكر في اقتصاد تُقدر قيمته بتريليونات الدولارات.
وعلى الرغم من أن العجز الحالي البالغ نحو 6% يُعد كبيرًا وفقًا للمعايير التاريخية، لكن السؤال الجوهري هو: كيف يترجم هذا العجز إلى ضغوط فعلية على المعروض الحقيقي من السلع والخدمات؟ فالشواهد التاريخية تثبت أن العجز الضخم لا يشعل بالضرورة فتيل تضخم جامح. فعلى سبيل المثال، بين عامي 2020 و2021، تزامن الإنفاق الحكومي الهائل لمواجهة الجائحة مع تهاوي قيمة الدولار، ويُعزى ذلك جزئيًا إلى أن البنوك المركزية حول العالم كانت تخفض أسعار الفائدة بقوة في الوقت ذاته.
خلاصة القول إن العلاقة بين الإنفاق المالي وأداء العملة هي علاقة حقيقية ولكنها مشروطة، إذ يتوقف تأثيرها على طبيعة تفاعل هذا الإنفاق مع مجمل الناتج الاقتصادي.
سؤال: إذا تجاوزنا مسألة العجز، فما هي العوامل الأخرى التي يجب على المستثمرين أخذها في الحسبان عند تقييم الدولار؟
جواب: هنا يبرز عاملان محوريان: السياسة النقدية وتمركزات السوق. فعندما تفاقم العجز الأمريكي بشكل كبير خلال 2020-2021، تراجع الدولار، لكن في عام 2022، وبينما كان العجز قد بدأ بالانحسار بالفعل، كان الاحتياطي الفيدرالي يمضي في دورة التشديد النقدي، فشهد الدولار انتعاشًا قويًا. هذا النمط يثبت أن كفة السياسة النقدية هي التي ترجح في الغالب.
في الوقت الراهن، نشهد زخمًا كبيرًا في المراكز البيعية على الدولار (أي أن الكثير من المراكز تراهن على ضعفه)، وهو ما يعني أن أي تغير في المعطيات الأساسية قد يشعل شرارة تحرك سعري عنيف. فالمؤشرات الفنية، مثل "مقايضات الأساس بين العملات" (cross-currency basis swaps) ومؤشرات التقلب الضمني، تسجل مستويات منخفضة للغاية، مما يعكس اصطفاف المراكز بغالبيتها في اتجاه واحد، وينذر بحدوث حركة سعرية حادة ومفاجئة (squeeze) في أي من الاتجاهين. وأي تغير في التدفقات النقدية الفعلية، كالطلب الأجنبي على سندات الخزانة الأمريكية، من شأنه أن يظهر سريعًا في هذه المؤشرات، ويُربك هذه المراكز المزدحمة ويقلب الطاولة على الإجماع السائد في السوق.
سؤال: ما هي أبرز مؤشرات السوق التي تراقبونها عن كثب لاستشراف مسار الدولار؟
جواب: تركيزنا ينصب على أسواق أسعار الفائدة، وتحديدًا المقارنة بين الولايات المتحدة وأوروبا والمناطق الأخرى. أحد المؤشرات الجوهرية هو الفارق (السبريد) بين العقود الآجلة لأسعار الفائدة قصيرة الأجل في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو (يُعرف أحيانًا بفارق Z5)، فهو يعكس حجم تخفيضات الفائدة التي تسعّرها الأسواق في كل منطقة حتى نهاية عام 2026. حاليًا، تسعّر العقود الأمريكية خفضًا للفائدة بوتيرة أكبر من تلك التي يسعّرها البنك المركزي الأوروبي، مما يوسع هذا الفارق. وأي تحول في هذه المنحنيات، كأن يلمّح الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أقل للفائدة أو يشير المركزي الأوروبي إلى المزيد من الخفض، من شأنه أن يمنح الدولار زخمًا صعوديًا متجددًا.
أتابع أيضًا فارق العائد على الديون لأجل عامين بين الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، فتاريخيًا، كلما ارتفعت أسعار الفائدة الأمريكية قصيرة الأجل مقارنةً بنظيرتها الأوروبية، اكتسب الدولار قوة (والعكس صحيح). مؤشر آخر يكمن في أسعار الفائدة طويلة الأجل، فعلى سبيل المثال، أي قفزة في عوائد السندات الأمريكية مقارنةً بسندات البوند الألمانية ستعزز الدولار على الأرجح.
خلاصة القول هي ضرورة مراقبة التغيرات في فروق أسعار الفائدة والتوجهات المستقبلية التي تعلنها البنوك المركزية. فإذا بدأ الاحتياطي الفيدرالي يتبنى لهجة أكثر تشددًا مقارنةً بنظرائه، فإن ذلك سيدعم الدولار، وإذا لم يحدث ذلك، فإن الغلبة ستكون للمراكز البيعية التي تراهن على ضعفه.
سؤال: يرى بعض المحللين أن الدولار قد يكون لامس القاع في منتصف عام 2025. ما مدى اتفاقكم مع هذا التحليل؟
جواب: في الواقع، بعض نماذجي التحليلية الخاصة أشارت بالفعل إلى تاريخ 4 يوليو باعتباره موعدًا محتملًا لبلوغ الدولار الأمريكي أدنى مستوياته. في المرحلة الحالية (منتصف 2025)، أرى أننا قد نكون بصدد تأسيس قاعدة سعرية للانطلاق، لكن المرونة هي مفتاح التعامل مع هذه المرحلة، لذا أوصي بمتابعة المؤشرات التي ذكرناها عن كثب لتأكيد أي انعكاس في الاتجاه. فإذا عاودت فروق أسعار الفائدة الأمريكية الارتفاع وظل الدولار متجاهلًا لذلك، فإن هذا الأمر سيلقي بظلال من الشك على السيناريو الصعودي. وعلى النقيض، إذا أظهر الاحتياطي الفيدرالي توجهًا أكثر تشددًا، أو تصاعدت مخاوف الأسواق من التضخم، فقد ينتعش الدولار ويضغط بقوة على المراكز البيعية (short squeeze).
نحن بحاجة إلى تأكيد يأتي من تسعير الأسواق للسياسة النقدية، وذلك عبر مراقبة العقود الآجلة وأسعار المبادلات لعامي 2025-2026، وترقب ما إذا كان فارق العائد بين السندات الأمريكية والأوروبية سيبدأ بالتقلص.
سؤال: وما انعكاسات كل ذلك على اقتصادات مثل الاقتصاد المصري؟
جواب: ضعف طفيف في الدولار من شأنه أن يخفف من وطأة الضغوط على الدول المستوردة للنفط والسلع الأساسية، ومن بينها مصر. ومع ذلك، فإن الاقتصاد المصري يتمتع بأساسيات اقتصادية متينة، فقد وصل حجم احتياطياته من النقد الأجنبي إلى 48.1 مليار دولار في أبريل 2025، وهو المستوى الأعلى منذ عقود، مدفوعًا بتنوع مصادر التدفقات النقدية من قناة السويس والسياحة والصادرات وتحويلات المصريين بالخارج. كما يتسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي مقتربًا من 5%، فيما تراجع معدل التضخم الرئيسي إلى 13.9% في أبريل. هذه الاحتياطيات القوية والسياسة الحصيفة تمنح مصر مرونة وقدرة على استيعاب الصدمات الخارجية، مما يعني أن النظرة المستقبلية تظل إيجابية في مجملها، حتى في ظل أي تحولات في ديناميكيات الدولار عالميًا.
0 تعليق