نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
رحلة النغم والألم ( 1 ) - بلس 48, اليوم الأحد 20 يوليو 2025 07:20 مساءً

سناء السعيد
سناء السعيد
راودنى الآن استدعاء الحديث عن ظاهرة اجتماعية وسياسية اسمها "عبد الحليم حافظ" الذي التقيته في يوليو 1976، لأجرى معه حديثا لهيئة الإذاعة البريطانية التى كنت أعمل بها وقتئذٍ.إنه الظاهرة الراقية حقا الذى فرض بفنه معلما بارزا أكد من خلاله مبدأ مفاده: " أن تغنى فشىء سهل، أما أن تغنى ويسمعك الناس طوال ربع قرن بلا ملل وبلا اعتراض فإنه شىء صعب جدا". غير أن "عبد الحليم" جرب هذا الشيء الصعب ونجح. غنى للناس طوال ربع قرن ولم يعترضوا ولم يحتجوا بل عشقوا فنه وطالبوا بالمزيد منه، وزاد التلهف على غنائه، و تنسموا أخباره، فأصبح "عبد الحليم" جزءًا من الحياة العربية، وعادة من عادات الوطن العربى وصديقا حميما للأذن العربية.
في تاريخ الغناء العربى القديم والحديث على السواء قلة هم الذين تحولوا إلى عادة يومية من عادات المواطن العربي. كثيرون غنوا ويغنون ولكن قلة فقط هى التى استطاعت أن تأخذ مكانها في القلب العربي والبيت العربى. من هذه القلة يتربع عبد الحليم حافظ على مقعد الصدارة. وعند التحليل التاريخي يتجاوز هؤلاء مسألة الغناء المجرد من كل التيارات السياسية والاجتماعية. إنهم ظواهر اجتماعية تفرض على الدارس لأحوال المجتمعات العربية أن يتوقف عندها ويستنتج منها ما يستنتج، ويفسرها التفسير الذي يزيد من إضاءة مساحة فهم تلك المجتمعات.
لقد كان" عبد الحليم حافظ" أكثر من مطرب وفنان عادى. كان ظاهرة اجتماعية ارتبطت بظهور تيار سياسى عربى جديد برز مع تفجر ثورة 23 يوليو 1952، ولذلك ليس من اليسير أن يتحدث الكاتب عن عبد الحليم حافظ من هذه الزاوية.. زاوية الظاهرة الاجتماعية الخالصة. من اليسير أن يقول المرء إنه غنى كذا وكذا، وفعل كذا وكذا. ولكن من العسير أن تتجاوزه هو كفرد وتتحدث عنه كظاهرة ارتبطت بعدة أحداث سياسية أهمها ثورة 1952.
حياة " عبد الحليم حافظ" أو بكلمة أدق إنتاجه الغنائي ما هو في النهاية إلا مرآة تنعكس عليها - إلى حد كبير- أذواق واهتمامات وهموم الإنسان العربي عموما، وأقصد هنا بالإنسان العربي رجل الشارع العادى الذى تتشكل من خلاله القاعدة الجماهيرية العربية الواسعة. في أغانى عبد الحليم تجد أسلوب الرجل العربى في الحب، ونظرته للمرأة، وإيمانه بالأرض، ودرجة وطنيته، ومفهومه للجمال. عدة عناصر تتكون منها النفسية العربية تعثر عليها فيما غناه عبد الحليم حافظ من أغانٍ. وستلاحظ أن سمة الحزن التى تتسم بها أغانى " عبد الحليم حافظ" ليست سمة فردية وشخصية فرضت نفسها على "عبد الحليم حافظ" بسبب ظروفه ونشأته الخاصة، وإنما هى سمة جماعية تطبع الحياة العربية عموما. أى أن الحزن شيء اشترك فيه المغنى الذى هو " عبد الحليم والمستمع الذي هو الإنسان العربي، ليصبح هذا الحزن المشترك أحد أسباب نجاح " عبد الحليم حافظ".
واليوم أتذكر ما قاله لى في لقاء معه: "الانطباع الذى تجمع لديّ من خلال لقاءاتى المختلفة بالجمهور إنه " سمّيع" من الدرجة الأولى، هو يحب البساطة ويعشقها شرط ألا يتعالى عليه الفنان. كما أن على الفنان أن يكون قريبا من الناس، وأن يعطى الإحساس للأغنية، وأن يقيم وزنا للناس الذين يستمعون إليه وإلا افتقد تجاوبهم معه. وهو أول العارفين بما يجرى في صفوف الجمهور، ذلك أنه بإحساسه الذى يشبه الرادار يستطيع التقاط إعجاب الناس وتلمس ما إذا كان هذا الإعجاب حقيقة نابعة من القلب أم مجرد مجاملة". رحم الله عبد الحليم حافظ. وللحديث بقية…
0 تعليق