يرى جون كالاهان، الشريك المؤسس لشركة رأس المال الجريء True Ventures، أن الهواتف الذكية لن تبقى كما نعرفها اليوم طويلًا، بل قد تختفي تمامًا خلال عقد من الزمن.
توقع قد يبدو صادمًا، لكنه صادر عن مستثمر يقف خلف رهانات ناجحة غيرت سلوك المستخدمين، من “Fitbit” و”Ring” إلى “Peloton”.
كالاهان لا يطلق تنبؤاته من باب الجدل النظري.
فشركة True Ventures، التي تدير نحو 6 مليارات دولار عبر 12 صندوقًا استثماريًا أساسيًا وأربعة صناديق فرص، تبني استراتيجيتها الاستثمارية على فرضية واضحة: طريقة تفاعل البشر مع التكنولوجيا على وشك تحول جذري.
لماذا لم يعد الهاتف كافيًا؟
بحسب كالاهان، لم يعد الهاتف الذكي واجهة فعالة بين الإنسان والذكاء.
استخدامه المتكرر لإرسال رسالة سريعة أو تدوين فكرة عابرة، كما يقول، عملية غير طبيعية ومليئة بالتشتيت والأخطاء، ولا تنسجم مع إيقاع الحياة اليومية، بحسب تقرير نشره موقع “تك كرانش” واطلعت عليه “العربية Business”.
لذلك يتوقع أن نستمر باستخدام الهواتف في المستقبل القريب، لكن بطرق مختلفة تمامًا، قبل أن تحل واجهات أخرى محلها.
رهان على السلوك
هذا التفكير هو ما قاد “True Ventures” مبكرًا إلى الاستثمار في أجهزة بدت في وقتها مغامرة غير مضمونة.
فـ “Fitbit” أعاد تعريف العلاقة مع اللياقة البدنية، و”Peloton” لم يكن مجرد دراجة، بل منصة غيرت سلوك التمارين المنزلية، بينما حولت “Ring” جرس الباب إلى نقطة أمن ذكية.
اليوم، يتجسد هذا الرهان في جهاز جديد يحمل اسم Sandbar، وهو خاتم يُلبس في الإصبع ويعمل بالأوامر الصوتية، هدفه الأساسي التقاط الأفكار وتنظيمها لحظة ولادتها.
يصفه كالاهان بأنه رفيق للأفكار، وليس جهازًا صحيًا أو منافسًا للأدوات القابلة للارتداء التقليدية.
فكرة بسيطة وحاجة إنسانية أساسية
Sandbar لا يسجل الصوت باستمرار، ولا يسعى لأن يكون منصة شاملة. فلسفته تقوم على أداء وظيفة واحدة بإتقان: أن يكون حاضرًا عندما تطرأ فكرة فجأة.
الجهاز مرتبط بتطبيق يعتمد على الذكاء الاصطناعي، ويعكس رؤية مختلفة تمامًا لكيفية تفاعل البشر مع الذكاء.
ما جذب “True Ventures” إلى المشروع لم يكن المنتج فقط، بل الفريق المؤسس أيضًا.
فالمؤسسان مينا فهمي وكيراك هونغ عملا سابقًا في مجال الواجهات العصبية بشركة CTRL-Labs التي استحوذت عليها “ميتا” عام 2019، وهو ما جعل الرؤية بين الطرفين متطابقة منذ البداية.
استثمار هادئ في زمن الضجيج
في وقت تتسابق فيه شركات الذكاء الاصطناعي على جولات تمويل ضخمة وتقييمات بمليارات الدولارات، تفضل “True Ventures” الالتزام بنهجها التقليدي: استثمارات أولية تتراوح بين 3 و6 ملايين دولار مقابل حصص تتراوح بين 15 و20%.
كالاهان يؤكد أنه لا يرى داعيًا لجمع مليارات إضافية لمجرد الجمع، معتبرًا أن بناء شركات مؤثرة لم يعد يتطلب هذا الحجم من الأموال.
ما بعد طفرة الذكاء الاصطناعي
ورغم إقراره بأن الذكاء الاصطناعي يمثل أقوى موجة حوسبة شهدناها، يحذر كالاهان من تضخم الاستثمارات في البنية التحتية، خاصة مع توقعات إنفاق قد تصل إلى 5 تريليونات دولار على مراكز البيانات والرقائق.
في المقابل، يرى أن القيمة الحقيقية ستنشأ في طبقة التطبيقات، حيث ستولد واجهات جديدة سلوكيات جديدة بالكامل.
هل الهاتف إلى زوال؟
مع تشبع سوق الهواتف الذكية ونموه البطيء الذي لا يتجاوز 2% سنويًا، مقابل نمو مزدوج الرقم للأجهزة القابلة للارتداء والأدوات الصوتية، يعتقد كالاهان أن التحول بات واضحًا.
قد لا يختفي الهاتف غدًا، لكن المؤشرات تشير إلى أن مركز الثقل في علاقتنا مع التكنولوجيا يتحرك بالفعل.
وبالنظر إلى سجل “True Ventures” في الرهانات المبكرة، قد يكون من الحكمة الإصغاء عندما يقول أحد أبرز مستثمري وادي السيليكون إن أيام الهاتف الذكي أصبحت معدودة.
