أعاد الملياردير الأميركي إيلون ماسك الروبوتات الشبيهة بالبشر إلى واجهة المشهد التكنولوجي خلال عام 2025، معتبرًا أنها حجر الأساس في مستقبل شركة تسلا، بل ويرى أنها قد ترفع تقييم الشركة إلى عشرات التريليونات من الدولارات.
لكن رغم هذا الزخم، لم تطرح “تسلا” بعد روبوتها البشري المنتظر “اوبتيموس” للبيع.
في المقابل، تبدو الصين الأقرب لتحويل هذا الطموح إلى واقع، إذ تستعد مجموعة من الشركات الصينية لبدء الإنتاج الواسع للروبوتات البشرية اعتبارًا من عام 2026، بدعم مباشر من بكين التي وضعت هذه التقنية في صميم خططها الاستراتيجية، بحسب تقرير نشرته شبكة “سي إن بي سي” واطلعت عليه “العربية Business”.
ووفقًا لخبراء، تتقدم الصين حاليًا على الولايات المتحدة في مرحلة التسويق المبكر للروبوتات البشرية، مستفيدة من سرعتها في التوسع الصناعي، حتى وإن كان الطرفان مرشحين لبناء أسواق ضخمة على المدى الطويل.
والروبوتات البشرية هي آلات مصممة بهيئة وحركة الإنسان، تعتمد على خوارزميات ذكاء اصطناعي متقدمة، إضافة إلى عتاد معقد يشمل أشباه الموصلات وأجهزة الاستشعار.
ويُنظر إليها كحلول محتملة للعمل في المصانع، والفنادق، وحتى داخل المنازل.
بكين تضع الروبوتات في صدارة أولوياتها
خلال السنوات الماضية، كثّفت الصين استثماراتها في قطاع الروبوتات، مع خطط واضحة لبناء سلاسل توريد متكاملة ودفع الإنتاج الضخم.
وفي أكتوبر الماضي، أدرجت القيادة الصينية مفهوم “الذكاء الاصطناعي المجسد”، الذي يشمل الروبوتات والسيارات ذاتية القيادة، ضمن مسودة الخطة الخمسية الخامسة عشرة.
وترى بكين في الروبوتات البشرية فرصة مزدوجة: مواجهة تحديات نقص العمالة الناتجة عن تراجع معدلات المواليد وشيخوخة السكان، وتعزيز موقع الصين في سباق التفوق التكنولوجي العالمي.
وفي الوقت نفسه، تتصاعد المنافسة التكنولوجية بين الصين والولايات المتحدة، حيث يُنظر إلى الروبوتات باعتبارها التطبيق الواقعي الأهم للذكاء الاصطناعي. وتشير تقارير إلى أن واشنطن تدرس خطوات تنظيمية لدعم هذا القطاع وتسريع نموه خلال العام المقبل.
شركات صينية تتسابق على الإنتاج
تقديرات بنوك استثمارية تشير إلى أن الصين قد تصبح السوق الأهم للروبوتات البشرية عالميًا، مع توقعات بأن يتجاوز حجم السوق العالمي 9 تريليونات دولار بحلول 2050، تستحوذ الصين على أكثر من 60% منها.
وتبرز عدة شركات صينية في هذا السباق، من بينها “Unitree”، التي تستعد لطرح عام أولي قد يقيّمها بنحو 7 مليارات دولار، ولفتت الأنظار هذا العام بعرض روبوتها القادر على الرقص.
كما تعد “يو بي تك” لاعبًا رئيسيًا، إذ تطور روبوتات بشرية للاستخدام الصناعي والتجاري، من بينها نموذج قادر على العمل 24 ساعة يوميًا عبر تبديل بطاريته ذاتيًا.
وتخطط الشركة لرفع إنتاجها إلى آلاف الوحدات سنويًا خلال الأعوام المقبلة.
بدورها، أعلنت شركة AgiBot خروج الروبوت البشري رقم 5000 من خطوط إنتاجها، فيما كشفت شركة السيارات الكهربائية “إكس بينغ” عن الجيل الثاني من روبوتها البشري “إيرون”، مع خطط للإنتاج الكمي قريبًا.
ويُقدر عدد شركات الروبوتات البشرية في الصين بأكثر من 150 شركة، في سوق يشهد تسارعًا غير مسبوق.
تفوق صناعي مقابل تفوق برمجي
يرى محللون أن قوة الصين التصنيعية وسلاسل التوريد العميقة تمنحها ميزة واضحة في خفض التكاليف وتسريع الإنتاج، حيث تتوقع بعض الشركات انخفاض تكاليف التصنيع بنسبة تصل إلى 30% سنويًا، مدعومة بحوافز ودعم حكومي محلي.
في المقابل، تحتفظ الولايات المتحدة بتفوق في مجالات الذكاء الاصطناعي المتقدم، والأنظمة الذاتية، وتطوير الخوارزميات، مع تركيز الشركات الأميركية على التكامل الرأسي والسيطرة على المكونات الأساسية والبرمجيات لضمان الأداء والسلامة وحماية الملكية الفكرية.
وعلى المدى الطويل، يتوقع الخبراء تقارب حجم السوقين الصيني والأميركي، مع انتشار واسع للروبوتات البشرية بعد عام 2040، خصوصًا داخل المنازل.
تحديات واختناقات محتملة
ورغم الزخم الكبير، يواجه قطاع الروبوتات البشرية في الصين تحديات حقيقية، أبرزها الاعتماد على رقائق متقدمة تخضع لقيود أميركية، إلى جانب صعوبات تقنية في محاكاة الحركة البشرية الدقيقة، خاصة في الأيدي والأصابع.
كما تبقى تكلفة الإنتاج عائقًا رئيسيًا، إذ تتراوح أسعار النماذج المتقدمة حاليًا بين 150 ألفًا و500 ألف دولار للوحدة، بينما يشير الخبراء إلى ضرورة خفضها إلى ما بين 20 و50 ألف دولار لتكون منافسة للعمالة البشرية.
وفي إشارة إلى مخاوف محتملة، حذرت الجهات التنظيمية الصينية مؤخرًا من خطر تشكّل فقاعة استثمارية في سوق الروبوتات البشرية، مع تزايد عدد الشركات وتكرار المنتجات، في سيناريو يذكر بدورات الازدهار والانكماش التي شهدتها قطاعات استراتيجية أخرى في الصين.
وبين طموحات إيلون ماسك وتسارع الصين، يبدو أن الروبوتات البشرية على أعتاب مرحلة جديدة، قد تعيد رسم ملامح العمل والاقتصاد خلال العقود المقبلة.
